كلمة ألقيت في دار الطائفة الدرزيّة حول مشروع قانون يتعلّق بأحوال الطائفة
في 11 آب 1965
أيّها السادة والإخوة الكرام
بالمقارنة بين القانون الساري المفعول والمشروع المعروض والمرشّح لأن يصير قانونًا، لم أر فروقًا كبيرة، ولم يبد في بنوده ما يمكن أن تستفيد منه الطائفة. رأيت موادّ في المشروع تبعّد لا تقرّب، ونحن بحاجة إلى ما يوحّد لا إلى ما يوسّع الشّق بين فئات الطائفة. فالمجلس المذهبيّ في المشروع الجديد، مع أنّ اسمه يوحي أنّه في صميم الدين، لا يحقّ له التدخّل في الشؤون الدينيّة. ونحن بحاجة إلى ما يقرّب الزمنيّ خطوة من الدينيّ، وما يُدني الدينيّ خطوة من الزمنيّ، حتّى تلتقي الفئتان "العاقلة والجاهلة"، حسب العرف الدينيّ طبعًا، في طريق وسط. فالفرقة التامّة تضرّ مستقبل الدروز، وخصوصًا أنّ هذا الوطن الذي نحبّ، يقوم بالأساس على العنصر الدينيّ أكثر ممّا يقوم على العنصر الزمنيّ. ثمّ إنّ المشروع يقسّم الأوقاف بين الزمنيين والدينيين، ولا أرى في ذلك أيّة مصلحة طالما أنّ المجلس فيه الزمنيّيون وفيه الدينيّيون. فوجود الفئتين المعروفتين يمنع طغيان إحداهما على الأخرى. والقسمة توزّع المسؤوليّة وتزيد المصاريف، ونحن بحاجة إلى التوفير والاقتصاد، لا إلى التبذير وزيادة المصروف. فما وجه الفائدة من هذا التقسيم؟
إنّ مصلحة الدروز، كلّ الدروز، من شيوخ عقّال ومن جهّال، فوق كلّ مصلحة فرديّة. والمجلس المذهبيّ هو القيّم على هذه المصلحة والموزّع المنافع على الجميع بالحقّ والعدل؛ فالكلّ في نظره سواسية كأسنان المشط. المجلس هذا، يعمل للشيوخ كما يعمل للزمنيين، إنّه للجميع، إنّه ليس جمبلاطيًّا ولا يزبكيًّا. وبرأيي يجب أن يعمل عملًا يتبرّأ فيه من الجمبلاطيّة واليزبكيّة، لسانًا وقلبًا، نصًّا وروحًا، بوثيقة توقّع من جميع أعضائه وتنشر على كلّ درزيّ، ليبرهن للجميع بالفعل أنّه وجد ليوحّد ويجمع، لا ليفرّق ويبعد.
وسواء حلّ المجلس نفسه أم لم ينحلّ، فعليه أن يعمل بهذه الروح، إذ ليست العبرة في النصوص بل العبرة في التطبيق، العبرة فيمن هم خلف هذه النصوص؟
وما الفائدة من حلّ هذا المجلس إذا لم تتصافَ القلوب وتحسن النيّات؟
إذا لم نعمل بنيّات صالحة أعمالًا إيجابيّة تاركين المشاحنات والمهاترات، إذا لم نُضحِّ بكلّ ما يمكن التضحية من مادّة وزمن، إذا لم نعمل بقلوب صافية محبّة وبتسامح مع كلّ درزيّ، فلن يجدينا القانون الحالي ولا المرتقب نفعًا. العمل الإيجابيّ، العمل الخيّر، العمل الذي فيه عدل وحقّ، العمل الذي نُشعر فيه الدروز أنّنا للبناء والتوحيد لا للهدم والتفريق، هو الذي يُقنع الناس أنّ المجلس المذهبيّ هو الحارس الأمين على مصالح الطائفة، لا يفرّط فيها مثقال ذرّة، وأنّ شجبه للشذوذ ومقاضاته لمن يعتدي على حقوق المجموع لا يعني أنّه عدوّ لهذا الشاذّ أو ذاك المعتدي.
كلا. ليس المجلس عدوَّ أحد، إنّه صديق الحقّ والنفع العامّ، يتّجه حيث يتّجهان، فلنعمل في هذه الروح المرتفعة، سواء عُدّل القانون أم لم يعدّل، ورضى الأكثريّة الساحقة هدفنا، أمّا رضى الجميع فمطلب لا يدرك، وليكن شعارنا دائمًا "قل الحقّ وأمر بالمعروف واعرض عن الجاهلين".
يوسف س. نويهض
المجلس المذهبي في جلسته الأولى في دار الطائفة في أول تشرين الثاني عام 1962.